دعوة الالهام

كيف تدير فريقاً يتكون من مواهب متميزة؟

مايكل مانكنز

Blog Single

عندما سألت شركة "باين آند كومباني" (Bain & Company) كبار المسؤولين التنفيذيّين لـ308 شركات كبرى عن الطريقة التي يشكّلون بها الفرق لأداء المهام شديدة الأهمية في الشركة، أخبرهم معظمهم أنهم يقومون بتشكيل الفريق من الأعضاء المتوفرين. وأشارت أقلية منهم إلى أنهم يشكّلون فرقاً متميزة دائماً ومؤلّفة من الموظفين الأكثر موهبة لمعالجة قضايا الشركة الأكثر أولوية. وهذه تُعدّ فرصة هائلة ضائعة، إذ وجدنا أنّ أفضل الشركات أعلى إنتاجية بنسبة 25% من بقية الشركات بسبب الطريقة التي يوزعون بها المواهب النادرة القادرة على إحداث التغيير.


وإليكم النتائج التي توصلّنا إليها من خلال البحث:


توصلنا إلى أنّ إنتاجية المواهب المتميزة أعلى بكثير من غيرهم. إذ يعلم معظمنا من خلال التجربة أنّ أداء الموظفين الموهوبين لدينا أفضل بكثير من الموظفين العاديّين. ولكننا لا ندرك تماماً إلى أي درجة هم أفضل.


كما يمكن أن يكون أداء الموظف المتميز أفضل بثمان إلى اثنتي عشرة مرة من أداء الموظف العادي فيما يتعلق بالأعمال الإبداعية أو غير المنظمة،. وعلى سبيل المثال، يستطيع أفضل مطور برمجيات في شركة "آبل" كتابةَ أكواد برمجية مفيدة أكثر بتسع مرات من الأكواد التي يكتبها مهندس البرمجيات العادي في وادي السليكون. وحتى بالنسبة للأعمال الروتينية وذات الطبيعة المتكررة، يمكن أن يكون الفرق في الإنتاجية كبيراً جداً. حيث أنّ أفضل صيّاد سمك ضمن مطعم "لو بيرناردن" (Le Bernardin) في نيويورك يمكنه تجهيز سمك أكثر بثلاث مرات في الساعة مما يقدر عليه طاهي التحضير العادي في منهاتن.


باختصار، يمكن للشخص الأفضل أن ينجز أكثر من غيره. وبالتالي كلما زاد عدد المتميزين في المؤسسة كلما ارتفعت إنتاجيتها.


إذ يمكننا القول أنّ تنظيم عدة مواهب في فريق واحد يعني تضاعف قوة الفريق من خلال زيادة الإنتاجية هندسياً. وغالباً ما يؤدي الجمع بين أشخاص بمهارات ووجهات نظر مختلفة في فريق واحد إلى إنتاج أكثر من مجموع ما ينتجه كل شخص منهم على حدى. ففي النهاية، توزيع مهمة العمل على شخصين أفضل من واحد بمفرده. ولكن بالنسبة لأصحاب المواهب المتميزة، تكون العلاقة طردية أكثر، فتزداد القوة الإنتاجية هندسياً بزيادة نسبة المواهب المتميزة في الفريق. فعلى سبيل المثال، يمكن لفريق يتكون من خمسة أعضاء موهوبين إنتاج 16 ضعف مجموع الإنتاج أو الإنتاج نفسه بمدة 0,002 من الوقت، مقارنة بخمسة أعضاء عاديين.


وللتوضيح خذ فرق الصيانة في سباقات "ناسكار" (NASCAR) كمثال. فعلى مدى عدة أعوام، كان فريق "كايل بوش" (Kyle Busch) يُعدّ أفضل فريق صيانة في "ناسكار". إذ يتكوّن فريقه من مواهب متميزة تتدرّب مع بعضها على مدار العام. ويمكن تقييم أدائهم بشكل موضوعي. فتشمل دورة الصيانة الواحدة 73 مناورة منفصلة مثل تغيير الإطارات الأربعة أو التزود بالوقود. كما يستطيع فريق بوش إكمال جولة صيانة خلال 12,2 ثانية. وهو أمر تجدر مشاهدته. فإذا قمت باستبدال أحد أعضاء هذا الفريق بعضو آخر عادي وليكن مختصّ بتغيير الإطارات، سيزداد الوقت اللازم لإنهاء العملية ليصل إلى 23 ثانية. وكذلك إذا استبدلت عضوين من الأعضاء المميزين بآخرين عاديّين سيزداد الوقت أكثر من ذلك، وسيصل إلى أكثر من 45 ثانية. وبذلك كلما انخفضت نسبة الأعضاء المميزين في الفريق ستنخفض الإنتاجية بشكل هندسي.


وبالنتيجة، نجد أنّ للمواهب المتميزة تأثير كبير على إنتاجية الفريق. وكلما زاد عدد المواهب في الفريق، كلما ارتفعت إنتاجيته.


من ناحية أُخرى، ليس جميع قادة الفرق متشابهون تماماً كما لا يتشابه المدرّبون أيضاً. إذ يستطيع المدرّبون العظماء استخراج أفضل ما عند فرقهم أكثر من غيرهم من المدرّبين العاديين، حيث أنهم يقومون بتشجيع كل عضو في فريقهم للقيام بدوره، ما يفيد بقية أعضاء الفريق ويشجع على إتمام المهام على أكمل وجه ممكن.


وقام المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية (National Bureau of Economic Research) في عام 2012 بدراسة تأثير القادة العظماء على إنتاجية الفريق. ووجدوا أنه يمكن لقائد عظيم (أفضل 10% من القادة في الشركات التي قاموا بدراستها) أن يرفع إنتاجية فريق عادي بمقدار 10% أي ما يعادل تقريباً إضافة عضو جديد إلى فريق من 9 أعضاء. ولكن إذا وضعت هذا القائد نفسه ضمن فريق يتكوّن من مواهب متميزة، سيرفع إنتاجية الفريق إلى أكثر من 10%. مع الأخذ بعين الاعتبار أنّ إنتاجية الفريق كانت أصلاً عالية عندما بدأ بقيادته. إذ يعمل القادة العظماء بمثابة عامل مضاعف لقوة فريق يتكون من مواهب متميزة. إذن، ما الذي تحتاجه لتحرير طاقة الإنتاجية هذه في مؤسستك؟ يمكنك الاستفادة من الإجراءات الخمسة التي سلّطنا عليها الضوء من خلال دراستنا وتجربتنا:


1- تابع المواهب المتميزة: يُعدّ الأشخاص المبدعون والمبتكرون عملة نادرة. وفي الواقع، يشير بحثنا إلى أنه في معظم المؤسسات يوجد أقل من موهبة متميزة بين كل سبعة موظفين. ومن المستحيل القيام بتنظيم هؤلاء الأفراد وقيادتهم وتوزيعهم إلا إذا كُنت تعرفهم جيداً وتعرف أماكن توزيعهم حالياً وما هي قدرتهم على لعب أدوار جديدة ومختلفة. لكن للأسف، تفشل معظم أنظمة الموارد البشرية في توفير هذه المعلومات المهمة جداً لقادة الفرق. إذ تستطيع هذه الأنظمة تحديد المواهب، ولكنها تفشل في تحديد أماكن توزيعها. وتستطيع تحديد أماكن توزيعها لكنها تفوّت فرص تعيينهم في مناصب وفرق جديدة. وأخيراً، عادة ما تكون الطريقة التي تتبعها الشركات لتحديد الموظفين أصحاب المواهب المتميزة شخصية، بحيث تفشل في فصل موظفي الشركة المتميزين عن أولئك أصحاب الأداء الجيد فقط.


من جهة أخرى، تُعامل الشركات ذات الأداء المتميز مواهبها التي تُحدث التغيير على أنها موارد نادرة، إذ تقوم بتتبعها بعناية وضمان وجودها دائماً في أفضل موقع لاستغلال إمكانياتها تماماً.


2- قم بتكوين الفرق المكونة من مواهب متميزة: تسعى معظم الشركات إلى تكوين فرق متوازنة، كالفرق المكونة من خبراء في مجال ما أو القائمة على توفّر الأعضاء. وهذا يُعدّ صحيحاً بالنسبة للعمل الروتيني وكذلك للمهام شديدة الأهمية. وتبدو هذه الطريقة المتوازنة عادلة أو حتى مثيرة للإعجاب، ولكنها تفشل في الاستفادة من العوامل المضاعفة للقوة المرتبطة بالفرق ذات المواهب المتميزة والقادة العظماء. باختصار، يتم تكوين معظم الفرق بطريقة تضمن أداء عادياً فقط.


في حين، يبلغ احتمال أن تقوم الشركات ذات الأداء المتميز بتكوين فرق المواهب المتميزة عند الأهمية تسعة أضعاف تكوين هذه الفرق في الشركات الأخرى. فعندما قامت الحكومة الأميركية بتحديد موقع أسامة بن لادن في باكستان عام 2011، لم تقُم بتكوين "فريق متوازن" من الجنود لإخراجه، ب أرسلت أفضل فريق من القوات البحرية. وكذلك عند حدوث أي أمر شديد الأهمية، ستعيّن الشركات ذات الأداء العالي فريقاً من مواهب متميزة لإنجاز المهمة.


3- استهدف المهام شديدة الأهمية: لا تتساوى جميع الجهود في أهميتها. فهناك بعض المشاكل التي يجب تحديدها ومعالجتها بسرعة وكفاءة بهدف الحفاظ على موقع الشركة الاستراتيجي أو توسيعه. ولكن العديد من الشركات تمتنع عن استدعاء هذه الجهود كأولوية عُليا خوفاً من شعور الأفراد غير المشاركين في هذا العمل بالإقصاء. ولكن معاملة جميع الجهود بشكل متساو يُعتبر ظلماً للجهود المرتبطة بالمهام الحرجة.


كما تمتلك أفضل الشركات عمليات ممنهجة لتحديد أكبر قيمها أهمية وأكثر القضايا إلحاحاً. وكنتيجة، يتمّ توجيه اهتمام خاص لهذه القضايا وتخصيص وقت لها من الإدارة العليا ويعمل عليها أفضل الفرق لضمان تنفيذها بفعالية.


4- قم بإزالة عوائق التنظيم الفعال: كثيراً ما تخلق المؤسسات عوائقاً للتنظيم الفعال. على سبيل المثال، معظم الشركات لديها نظام تعويضات يقوم بمكافأة أداء الأفراد بطريقة غير متناسبة، وربما تكون هذه المكافآت على إنجازات قام بها فريق بأكمله، ولدى هذه الشركات أنظمة التصنيف المكدّس التي تحقق توزيع المنحنى الجرسي للأداء بين أعضاء الفريق، والتي تؤدي لحصول بعض الأعضاء فقط على تقييم أداء جيد. إذ تخلق هذه الأنظمة "آلية سوق" تثبط الموظفين المتميزين عن الاندماج بفريق واحد مع متميزين آخرين، أو تعرّضهم لخطر انخفاض رواتبهم. حيث توقفت العديد من الشركات وتحديداً "مايكروسوفت" و"جي أي" و"أمازون" وغيرها عن استخدام نظام التصنيف المكدَّس.


وتدرك الشركات المتميزة أنه غالباً ما يتم إنجاز الأعمال المهمة عبر عمل الفريق بأكمله وليس عبر أفراد معينين. ولذلك تزن الشركات أداء الفريق بقدر الأداء الفردي أو أكثر منه في تحديد التعويضات أو التطور المهني أو التقدم الوظيفي. وكنتيجة، لذلك، تستفيد هذه المؤسسات من العوامل المضاعفة للقوة كاملة والتي تخلقها الفرق الاستثنائية.


5- قم بإدارة أعضاء الفريق الأنانيّين: ربما يكون أكبر العوامل التي تعيق توزيع فرق المواهب المتميزة هو الاعتقاد بأنّ "الشخصيات الأنانية ستُعيق فعالية الفريق". صحيح أنّ هناك بعض الحالات التي يكون فيها هذا الأمر صحيحاً، إلا أنّ الشركات المتميزة لا تستغني عن تشكيل فرق المواهب المتميزة وتجد طرقاً لإدارة الشخصيات الأنانية فيها.


وتُعتبر الأداة الرئيسية لإدارة الشخصيات الأنانية هو جعل نجاح الفريق شرطاً أساسياً لنجاح الأفراد. فعندما تحصّل ما يسمى بـ"فريق الأحلام" على الميدالية الذهبية في أولمبياد برشلونة عام 1992، تم إبقاء الشخصيات الأنانية في فريق الدوري الأميركي تحت السيطرة لحقيقة أنه لا يمكن لأي عضو في الفريق أن يأخذ الميدالية إلا إذا كان الفريق ناجحاً بأكمله، وهذا ما جعل الأعداء اللدودين ضمن الفريق الواحد يعملون كفريق واحد متفقين على هدف تحقيق النصر. ويمكن تنفيذ آليات مشابهة في مجال الشركات لإبقاء الشخصيات الأنانية تحت السيطرة.


أخيراً، توفر الفرق الاستثنائية إمكانية تحقيق إنتاجية وأداء استثنائيّين. ولكن للأسف تفشل معظم الشركات في إدراك هذه القدرة، بل يتعاملون مع تنظيم المواهب النادرة على أنه أمر ثانوي، أو يتّبعون ممارسات بالية لتكوين الفرق. ولكن الشركات المتميزة تتبع نهجاً أكثر انضباطاً ودقة خاصة فيما يتعلق بتنظيم أفضل المواهب لديها، ولا تخاف من تكوين فرق من المواهب المتميزة لإتمام المهام شديدة الأهمية، كما يقومون بمكافأة أداء الفريق بالتناسب.