عمار بهيد
عمار بهيد
ما هي أهدافي؟ هل لدي الاستراتيجية الصحيحة؟ هل بإمكاني تنفيذ الاستراتيجية؟
من بين مئات الآلاف من الشركات الناشئة التي تتأسس كل عام، كثير منها لا تقوم له قائمة، ومنها ما يفشل بعد أن ينطلق انطلاقات سريعة سرعة الصاروخ.
لدي مثال عن شركة تَوَابِل عمرها ست سنوات استطاعت جذب عملاء مخلصين، غير أنها حققت مبيعات أقل من 500 ألف دولار. ولا يمكن أن تُغطي الهوامش الإجمالية للشركة نفقاتها الإضافية أو تكفل دخولاً كافية لمؤسسها وأفراد عائلته الذين يشاركون في الشركة. سيتطلب المزيد من النمو ضخاً مهولاً لرؤوس المال، غير أن المستثمرين والمُشترين المرتقبين ليسوا حريصين على الشركات الناشئة الصغيرة ذات الأرباح الهامشية، والعائلة قد استنفدت مواردها.
بينما تستورد شركة أخرى ناشئة ومربحة وسريعة النمو منتجات مُبتكرة من الشرق الأقصى، وتبيعها إلى المتاجر الأمريكية الكبرى المتعددة الفروع. ورُشِّح مؤسس الشركة، الذي يبلغ صافي قيمة أصوله على الورق ملايين الدولارات، للحصول على جائزة "رائد أعمال العام". لكنَّ النمو المذهل للشركة أجبره على إعادة استثمار أغلب أرباحه لتمويل الموجودات والذمم المَدِينة للشركة. علاوة على ذلك، اجتذبت ربحية الشركة المنافسين وأغرت العملاء بالتعامل مباشرةً مع المُوَرِّدين الآسيويين. وإذا لم يتحرك مؤسس الشركة في القريب العاجل، فإن شركته ستتلاشى.
إن صانع التوابل ومُستوِرد السلع المُبتكرة، شأنهما شأن أغلب رواد الأعمال، يتلقيان الكثير من المشورات المُرْبِكَة، على غرار: احرص على تنويع خط إنتاجك؛ التزم بمجال عملك دون سواه؛ اجمع رؤوس أموال بطرح أسهم الشركة للبيع؛ لا تُخاطر بفقدان السيطرة لمجرد أن الأمور سيئة؛ كلف الآخرين بأعمالك؛ تصرف بحسم؛ عَيِّن مديراً محترفاً؛ راقب تكاليفك الثابتة.
ما السبب وراء كل هذه النصائح المُتضاربة؟ لأن نطاق الخيارات والمشكلات التي يواجهها مؤسسو الشركات الناشئة كبير جداً. قد يسأل مدير شركة ناضجة "ما مجال عملنا؟" أو "كيف يمكننا استغلال قدراتنا المركزية؟" يجب على رواد الأعمال دائماً وأبداً أن يسألوا أنفسهم عن طبيعة مجال الأعمال الذي يودون الانخراط فيه والقدرات التي يُحبون تطويرها. وبالمثل فإن نقاط الضعف والعيوب المؤسسية التي تواجه رواد الأعمال كل يوم من الممكن أن تُثير ذعر مديري الشركات الناضجة. فكثير من المشروعات الناشئة تفتقر في الوقت عينه للاستراتيجيات المُتجانسة ونقاط القوة التنافسية والموظفين الموهوبين، وأدوات التحكم الكافية والتسلسلات الإدارية الواضحة.
يستطيع رائد الأعمال أن يتعامل مع فرصة ومشكلة واحدة أو اثنتيْن وحسب في المرة الواحدة. ولذلك فإن عليه أن يحسن التمييز ما بين القضايا المحورية وبين آلام النمو الطبيعية، تماماً مثلما ينبغي على الوالد أن يركز على المهارات الحركية لطفله الذي يحبو بقدر أكبر من تركيزه على مهاراته الاجتماعية.
ولا يتوقع رواد الأعمال أن يجدوا الإرشاد والمواساة اللذين يمكن أن يقدمهما كتاب مرجعي عن تربية الأطفال. ذلك أن البشر يمرون بمراحل فسيولوجية ونفسية بترتيب يكاد يكون مُحَدَّداً مُسْبَقاً، وأمَّا الشركات فلا تشترك في مسار تطوريّ واحد. فعلى الرغم من أن شركات مايكروسوفت ولوتس وورد بيرفكت (WordPerfect) وإنتويت (Intuit) تتنافس في الصناعة نفسها، نجد أنها لم تتطور بالطريقة نفسها. فلكل شركة من هذه الشركات قصة مختلفة عن غيرها من حيث وضع الاستراتيجية والهياكل المؤسسية وتطوُّر دور المؤسس في الشركة.
إن الخيارات المُناسبة لشركة ناشئة مُغامرة قد لا تكون مناسبة بالمرة لشركة أخرى. لذا فإن رواد الأعمال يتعين عليهم اتخاذ عدد مُرْبِك من القرارات، ويتعين عليهم صنع القرارات المُناسبة لهم. إن إطار العمل الذي أطرحه هنا والقواعد العامة المُصاحبة له ستساعد رواد الأعمال في تحليل المواقف التي يتعرضون لها، وتحديد الأولويات من بين الفرص والمشكلات التي يواجهونها، وصُنع قرارات عقلانية حيال المستقبل. وإطار العمل هذا المُسْتَنِد إلى مراقبتي لمئات من الشركات الناشئة المُغامرة على مدار ثمانِ سنوات، لا يُقَدِّم إجابات جاهزة، بل يساعد رواد الأعمال في طرح الأسئلة المفيدة وتحديد القضايا المحورية وتقييم الحلول. ويسري إطار العمل هذا سواء أكان المشروع مطبعة صغيرة تود الصمود في مجال عملها أو متجراً لبيع أدلة السلع بالتجزئة يسعى إلى تحقيق أرباح تُقَدَّر بمئات الملايين من الدولارات. ويحقق هذا الإطار المُراد منه في أي مرحلة من مراحل تطور الشركة الناشئة. وينبغي على رواد الأعمال استخدامه لتقييم مكانة شركاتهم ومسارها بشكل دائم، لا عندما تلوح المشكلات في الأفق وحسب.
ويتألف إطار العمل من سلسلة من الأسئلة تطرح على ثلاث مراحل. تُوَضِّح المرحلة الأولى الأهداف الحالية لرواد الأعمال، بينما تُقَيِّم المرحلة الثانية استراتيجياتهم لتحقيق تلك الأهداف، وتساعدهم الثالثة في تقييم قدرتهم على تنفيذ استراتيجياتهم. ويُلْزِم الترتيب الهرميّ للأسئلة رواد الأعمال بمواجهة القضايا الأساسية للصورة الكبيرة قبل أن يُفكروا في أية تحسينات وتفاصيل. (راجع "دليل رائد الأعمال للتعامل مع المسائل المحورية"). لا يفترض هذا الأسلوب أن جميع الشركات أو كل رواد الأعمال يتطورون على النحو ذاته، وعليه فإنه لا يصف منهجية واحدة للنجاح تُناسب الجميع.
إيضاح الأهداف: ما هي وُجهتي؟
إن الأهداف الشخصية والعملية لرائد الأعمال مرتبطة ببعضها ارتباطاً مُعَقَّداً. فبينما يُناط بمدير أي شركة عامة مسؤولية ائتمانية تقضي بتعظيم القيمة لأجل حملة الأسهم، يبني رواد الأعمال شركاتهم لتحقيق أهداف شخصية، ويبحثون عن مستثمرين ذوي أهداف شبيهة، إذا اقتضت الحاجة ذلك.
إذا تمكن رواد الأعمال من التصريح بمرادهم شخصياً من شركاتهم، فعند ذلك فقط يكون من المنطقي بالنسبة لهم أن يطرحوا الأسئلة الثلاثة التالية:
ما نوع المشروع الذي أنا بحاجة إلى إنشائه؟
لا تعني الاستدامة البعيدة الأجل شيئاً لرواد الأعمال الباحثين عن الربح السريع من الصفقات السريعة المربحة. وبالمثل، فإن مَن يُطلَق عليهم "رواد الأعمال الوجهاء"، الذين يهتمون وحسب بتحقيق تدفق نقديّ كافٍ للحفاظ على نمط حياة مُعَيَّن، ليسوا بحاجة إلى تأسيس شركات باستطاعتها الصمود من دونهم. لكنَّ الاستدامة - أو التصور المُتعلق بها - لها أهمية كبيرة لدى رواد الأعمال الذين يعقدون الآمال على بيع شركاتهم في نهاية المطاف. والاستدامة أهم حتى لرواد الأعمال الذين يريدون بناء مؤسسة قادرة على تجديد نفسها بنفسها عبر الأجيال المُتعاقبة من التقنية والموظفين والعملاء.
وينبغي أيضاً أن تُحَدِّد الأهداف الشخصية لرواد الأعمال الحجم المُسْتَهْدَف للشركات التي يقومون بتدشينها. فالشركة الناشئة لرائد أعمال وجيه لا داعي لأن تنمو نمواً كبيراً. في الواقع، إن الشركة التي تصبح كبيرة أكثر من اللازم قد تعوق مؤسسها عن الاستمتاع بالحياة أو الاستمرار في انخراطه شخصياً في جميع جوانب العمل. وفي المقابل، يتعين على رواد الأعمال الساعين إلى تحقيق مكاسب رأسمالية أن يبنوا شركات كبيرة بما يكفي لدعم بنية أساسية لن تتطلب تدخلهم اليوميّ.
ما الأخطار والتضحيات التي يتطلبها مثل هذا المشروع؟ تأسيس شركة مُستدامة، أي شركة ليس أصلها الإنتاجي الأساسي مهارات مؤسسها وجِهَات اتصالاته وجهوده فقط، ينطوي على رهانات خطرة وطويلة الأجل. وعلى خلاف شركات الاستشارات الفردية - التي تحقق أرباحاً من البداية - تحتاج الشركات الناشئة المُغامرة القوية، كتلك التي تنتج سلعاً استهلاكية ذات علامة تجارية محددة، استثماراً مستمراً لبناء ميزات مُستدامة. على سبيل المثال، قد يتعين على رواد الأعمال الإعلان لبناء علامتهم التجارية. ولسداد تكلفة الحملات الإعلانية، قد يتحتم عليهم إعادة استثمار الأرباح وقبول شركاء في الأسهم، أو أن يضمنوا الدين ضماناً شخصياً. ولبناء عمق في مؤسساتهم، قد يتعين على رواد الأعمال أن يضعوا ثقتهم في موظفين عديمي الخبرة لصنع قرارات مهمة. علاوة على ذلك، قد تمر سنوات عديدة قبل أن يتحقق أي مردود ملموس - هذا إن تحقق أصلاً. من الممكن أن تكون المُخاطرة المُستدامة مُرهقة، وكما صرح أحد رواد الأعمال: "عندما تبدأ، عليك أن تنجز الأمر، كما جاء في إعلان شركة نايكي (Nike). إنك ما زلت غضاً لأنك لم تتعثر حتى الآن. وبعدها تتعرف على كل الأمور التي يمكن أن تسير في المسار الخاطئ. ونظراً لأن أسهمك الآن لها قيمة، فأنت تشعر بأن لديك أكثر ما يمكن أن تخسره بكثير من ذي قبل".
إن رواد الأعمال الذين يعملون على نطاق محدود أو لضمان نمط حياة بعينه يواجهون أخطاراً وضغوطات مُختلفة. والموهوبون عادةً ما يتفادون الشركات التي لا تُقَدِّم خيارات اكتتاب في الأسهم، ولا تتيح سوى فرص محدودة للنمو الشخصي، وبالتالي فقد لا تنتهي الساعات الطويلة لرائد الأعمال أبداً. ونظراً لصعوبة بيع حقوق الامتياز الشخصية، وغالباً ما تتطلب الحضور اليومي للمالك، فقد يظل المؤسسون حبيسي شركاتهم. وقد يواجهون أزمة مالية إذا ما أصيبوا بمرض أو بالإنهاك من فرط العمل. يشكو رائد أعمال تُحقق له شركته أرباحاً قيمتها نصف مليون دولار سنوياً قائلاً: "إنني أسابق الزمن دائماً وأبداً. فأنا أعمل 14 ساعة يومياً، ولا أذكر آخر مرة أخذت فيها عطلة. إنني أود أن أبيع الشركة، ولكن من ذا الذي يريد أن يشتري شركة ليس لها بنية أساسية ولا تضم أي موظفين؟".
هل أستطيع تَقَبُّل تلك المخاطر والتضحيات؟
يجب على رواد الأعمال التوفيق بين ما يريدون وما هم على استعداد للمخاطرة به. لننظر إلى جوزيف ألسوب (Joseph Alsop)، أحد مؤسسي شركة بروجريس سوفتوير (Progress Software Corporation). عندما دشَّنَ ألسوب الشركة عام 1981، كان في منتصف الثلاثينيات من عمره ومتزوجاً ولديه ثلاثة أطفال. يقول ألسوب إنه في ظل هذه المسؤولية الجسيمة لم يُرد أن يُقدِم على المخاطر الضرورية لبناء شركة قيمتها مليارات الدولارات كشركة مايكروسوفت، لكنه وشركاءه كانوا مستعدين للإقدام على المخاطر الضرورية لبناء شركة هي أشبه بشركات الخدمات الشخصية. وبالتالي وقع اختيارهم على حيزٍ مناسب بالسوق كان كبيراً بما يكفي ليسمح لهم بتأسيس شركة مُستدامة ليست كبيرة جداً بما يستقطب نحوها الشركات العملاقة في الصناعة نفسها. وعملوا لعاميْن كامليْن دون أية رواتب، واستثمروا مدخراتهم الشخصية. وفي غضون عشر سنوات، كانوا قد أسسوا شركة بروجريس حتى تحولت إلى شركة ذات ملكية عامة قيمتها 200 مليون دولار.
ويُنصح رواد الأعمال بالسير على نهج ألسوب بأن يتدبروا بوضوح فيما هم على استعداد للمخاطرة به وما ليسوا على استعداد للمُجازفة به. إذا اكتشف رواد الأعمال أن شركاتهم لن تُرضيهم على المستوى الشخصيّ حتى وإن حققت نجاحاً مدوياً، أو إذا تبين لهم أن تحقيق أهدافهم الشخصية يتطلب منهم الإقدام على مخاطر وتضحيات أكثر مما هم على استعداد لتقديمه، فعليهم حينئذ إعادة تعيين أهدافهم. عندما يُوَفِّق رواد الأعمال بين أهدافهم الشخصية والعملية، عليهم بعد ذلك أن يتأكدوا من أن لديهم الاستراتيجية السليمة.
وضع الاستراتيجية: كيف سأصل إلى وجهتي؟
يؤسس كثير من رواد الأعمال شركات لاستغلال فرص قصيرة الأجل دون التفكير بشأن الاستراتيجية البعيدة الأجل. لكنَّ رواد الأعمال الناجحين سرعان ما ينتقلون من التوجه التكتيكيّ إلى التوجه الاستراتيجيّ، بحيث يتسنى لهم الشروع في بناء قدرات وموارد أساسية.
بالنسبة للشركات الناشئة، تُعدُّ صياغة استراتيجية سليمة أمراً أساسياً بقدر أكبر من حل مشكلات التوظيف وتصميم أنظمة التحكم، وإعداد التسلسل الإداري الهرميّ أو تحديد دور المؤسس. إن الشركات الناشئة المُغامرة القائمة على استراتيجية متينة يمكن أن تصمد في مواجهة الارتباك والقيادة الضعيفة المستوى، لكنَّ أنظمة التحكم والهياكل المؤسسية المُعَقَّدَة جداً لا يمكن أن تُعَوِّض عن استراتيجية مُخْتَلَّة. وعلى رواد الأعمال إخضاع استراتيجياتهم على نحو مُنتظم إلى الاختبارات الأربعة التالية:
هل الاستراتيجية واضحة المعالم؟ ستفشل استراتيجية الشركة في بقية الاختبارات الأخرى، إذا لم تُقَدِّم اتجاهاً واضحاً للمشروع. فحتى رواد الأعمال الذين يعملون بمفردهم يمكن أن يستفيدوا من الاستراتيجية الواضحة المعالم. على سبيل المثال، غالباً ما يُتاح لمُبرمي الصفقات المتخصصين في صناعات معينة أو أنواع محددة من المعاملات وصولٌ للصفقات المُرتقبة أفضلُ من أندادهم غير المتخصصين. وبالمثل فمن الممكن أن يفرض المستشارون المُستقلون رسوماً أعلى إذا كانوا مشهورين بخبرتهم في مجال بعينه.
إن رائد الأعمال الذي يود تأسيس شركة مُستدامة عليه أن يصيغ استراتيجية أكثر جرأة ووضوحاً. وينبغي أن تَدمج تلك الاستراتيجية ما بين طموحات رائد الأعمال وسياسات محددة طويلة الأجل، بخصوص الاحتياجات التي ستسدها الشركة وامتداد نطاقها الجغرافيّ وقدراتها التقنية، وغير ذلك من الاعتبارات الاستراتيجية. وللمساعدة في استقطاب الناس والموارد، يجب أن تُجَسِّد الاستراتيجية رؤية رائد الأعمال المتعلقة بوجهة الشركة لا بمكانتها الحالية. ويجب أن تُقَدِّم الاستراتيجية أيضاً إطار عمل لصنع القرارات ووضع السياسات التي ستسُوق الشركة إلى تلك الوجهة.
لقد ساعدت الاستراتيجية التي أعلن عنها مؤسسو شركة صن مايكروسيستمز (Sun Microsystems)، على سبيل المثال، في اتخاذ قرارات ذكية حين عكفوا على تطوير الشركة. حيث قرروا من البداية أنهم سيتخلون عن استراتيجية السوق المُحددة المتفردة التي تتبناها عادةً الشركات الناشئة في وادي السيليكون. وبدلاً من ذلك، استقر رأي الشركة على منافسة رائدتي صناعة التقنية، آي بي إم وديجيتال، ببناء منصة عمل متعددة الأغراض والتسويق لها. يقول فينود خوسلا (Vinod Khosla)، أحد مؤسسي شركة صن مايكروسيستمز ورئيسها الأسبق، إن هذه الاستراتيجية جعلت خيارات تطوير مُنتجات الشركة واضحة جلية، وفسَّرَ ذلك قائلاً: "لم نكن لنطور أي برمجيات للتطبيقات بدونها". لقد اقتضتْ هذه الاستراتيجية أيضاً أن تتحمل شركة صن مسؤولية تشكيل فريق مبيعات مباشرة وتقدم دعماً ميدانيّاً خاصاً بها، شأنها في ذلك شأن منافستيها الأكبر منها بكثير. يقول خوسلا: "كان شعارنا أن نبلغ هدفنا أو نهلك دونه". لقد ساعدت الرؤية الجريئة للمؤسسين على استقطاب شركات رؤوس الأموال المغامرة وفتحت المجال أمام اسم شركة صن فسطع نجمها في صناعة التقنية.
ولكي تكون بيانات الاستراتيجية مفيدة، ينبغي أن تكون موجزة ويسهل فهمها على أبرز الأطراف المعنية، كالموظفين والمستثمرين والعُملاء. ويجب أيضاً أن تحظُر تلك البيانات الأنشطةَ والاستثمارات التي قد تستنفد موارد الشركة، حتى وإن بدت مُغرية.
هل يمكن للاستراتيجية أن تحقق أرباحاً ونمواً كافييْن؟ ما إن يصوغ رواد الأعمال استراتيجيات واضحة وجلية، يتعين عليهم تحديد ما إذا كانت تلك الاستراتيجيات ستسمح للشركات الناشئة المُغامرة، بأن تكون مربحة وأن تنمو وصولاً إلى الحجم المنشود. إن الإخفاق في تحقيق عائدات مُرْضِيَّة ينبغي أن يحث رواد الأعمال على طرح أسئلة صعبة: ما هو مصدر ميزتنا التنافسية، إن وُجِدَ أصلاً؟ هل عروضنا أفضل من عروض مُنافسينا حقاً؟ وإن صح ذلك، فهل يفي فرق السعر الذي يمكننا فرضه بالتكاليف الإضافية التي نتكبدها؟ وهل يمكننا طرح كميات كافية بأسعار أعلى لتغطية نفقاتنا الثابتة؟ إذا كنا نعمل في مجال السلع، فهل تكاليفنا أقل من تكاليف منافسينا؟ وينبغي أن يثير النمو المُحْبِط أيضاً علامات استفهام: هل السوق الذي نعمل فيه كبير بما يكفي؟ هل تجعل ارتفاعات سعر التكلفة النمو المُربح مستحيلاً؟
إن الكد في العمل، مهما بلغ حجمه، يستحيل أن يُحَوِّل هرة صغيرة إلى أسد. فعندما تتداعى شركة ناشئة مُغامرة، يتعين على رواد الأعمال التعامل مع مشكلات اقتصادية أساسية. على سبيل المثال، كثير من الناس يميلون إلى شركات الخدمات الشخصية، كالمصابغ وخدمات إعداد الضرائب، لأنهم يستطيعون تدشين تلك الشركات وتشغيلها بالكد في العمل وحسب. وليس عليهم أن يقلقوا بشأن مواجهة منافسين شرسين أو جمع رؤوس أموال كبيرة أو تطوير تقنية حصرية. لكنَّ العوامل التي تُسَهِّل على رواد الأعمال تدشين مثل هذه الشركات غالباً ما تحول بينهم وبين تحقيق أهدافهم البعيدة المدى. إن الشركات التي تعول على استعداد رائد الأعمال للعمل بكد واجتهاد عادةً ما تواجه منافسين كلهم عزيمة وإصرار بالقدر نفسه. علاوة على ذلك، فمن الصعب جعل تلك الشركات كبيرة بالقدر الكافي الذي يدعم الموظفين والبنية الأساسية. إضافةً إلى ذلك، إذا استطاع الموظفون إنجاز ما يقوم به المُؤسِّس، فلن يكون لديهم حافز كافٍ للبقاء في الشركة. وغالباً ما يعجز مؤسسو تلك الشركات عن تحقيق نمط الحياة الذي يريدون، مهما تحلو بمواهب. ومع استحالة دعم مهاراتهم، فلن يتسنى لهم سوى التربح مما تَكْفُله لهم قدراتهم وحسب.
ثمة بديل وحيد للإجراءات الجذرية يتمثل في التمسك بالشركة الناشئة المُتداعية وتعليق الآمال بالطلبية الضخمة الوشيكة أو الشخص الأكثر سذاجة الذي سينخدع ويشتري الشركة. وكلا الأمليْن عقيم عادةً. والأفضل لك أن تنسحب.
هل الاستراتيجية مُستدامة؟ المشكلة التالية التي يتعين على رواد الأعمال التعاطي معها هي هل استراتيجياتهم قادرة على خدمة المشروع على المدى البعيد أم لا. إن قضية الاستدامة مُهِمَّة تحديداً لرواد الأعمال الذين يركبون أمواج تقنية جديدة أو تَغَيُّر تشريعيّ جديد، أو غير ذلك من التغيرات - الناشئة خارج نطاق المشروع - التي تخلق مواقف لا يَقْدِر فيها العرض على مواكبة الطلب. إن رواد الأعمال الذين يلحقون بالموجة يمكن أن تزدهر أعمالهم في البداية لأن التوجه السائد في صفهم لا أكثر ولا أقل؛ فهم لا ينافسون بعضهم بعضاً بل يُنافسون أطرافاً مُتحجرين. ولكن، ماذا يحدث عندما تهدأ الموجة؟ بينما تختفي حالات اختلال التوازن من السوق، كذلك يأفل نجم كثير من راكبي الأمواج الذين لم يُطوروا أية قدرات مُمَيَّزَة أو يؤسسوا لأنفسهم مكانةً تنافسيةً يمكن الذب عنها. يتعين على راكبي الموجة أن يتوقعوا تشبع السوق والمنافسة المُحتدمة والموجة التالية. وعليهم أن يتخلوا عن منهج التقليد الأعمى ويتبنوا عوضاً عنه نموذج عمل جديداً أقوى، وإلا ربما أمكنهم بيع شركتهم التي حققت نمواً هائلاً بسعرٍ عالٍ رغم التوقعات المريبة الطويلة الأجل.
لننظر إلى إدوارد روزين (Edward Rosen) الذي شارك في تأسيس شركة فيديك (Vydec) عام 1972. لقد طَوَّرَت الشركة أول برنامج معالجة نصوص مُستقل على الإطلاق، وبينما شهدت سوق الآلات طفرةً مهولةً، حققت شركة فيديك أرباحاً طائلة بلغت 90 مليون دولار في عامها السادس، وبلغ عدد موظفيها في الولايات المتحدة وأوروبا حوالي 1,000 موظف. لكن روزين وشريكه استشفا أن أيام برامج مُعالجة النصوص المُستقلة صارت معدودة. فَرَحَّبَا بعرضٍ من شركة إكسون (Exxon) لشراء شركتهما بأكثر من 100 مليون دولار.
إن هذا التفكير الاستشرافيّ استثناءٌ. فرواد الأعمال في الشركات السريعة النمو غالباً لا يدرسون استراتيجيات الخروج بجديَّة. ويواصلون إعادة استثمار أرباحهم في شركات غير مُستدامة، بتشجيع من نجاحهم القصير الأجل حتى لا يتبقى لهم سوى ذكريات أيام أفضل.
إن رواد الأعمال الذين يؤسسون شركات ناشئة، لا بركوب الموجة السائدة بل بخلق موجتهم الخاصة بهم، يواجهون مجموعة مُختلفة من التحديات في صياغة استراتيجية مُستدامة. فعليهم تعزيز قوتهم المبدئية بخلق نقاط قوة متعددة. ولا تستطيع الشركات الناشئة الجديدة كلياً عادةً أن تتحمل تكلفة الابتكار على جميع الأصعدة. وقليل من الشركات الناشئة مثلاً يمكنه أن يتوقع استقطاب الموارد الضرورية لتسويق منتج ثوريّ يتطلب طفرات جذرية في مجال التقنية، وعملية تصنيع جديدة وقنوات توزيع جديدة. وينصب تركيز رواد الأعمال الفقراء مادياً أولاً على بناء مصادر محدودة للتفرد والتميز واستغلالها، واستخدام عناصر معيارية ومُتاحة بسهولة في بقية جوانب المشروع. على سبيل المثال، جعل مايكل ديل (Michael Dell)، مؤسس شركة ديل للكمبيوتر، السعر المُخَفَّض خياراً لمن يشترون أجهزة الكمبيوتر الشخصية بواسطة تجميع مكونات قياسية في مهجعه بالكلية، وبيعها بالطلبيات البريدية دون أية إضافات أو دعم للمبيعات.
لكن استراتيجيات احتلال مكانة مرموقة لن تضمن لهذا النموذج الصمود بضرورة الحال. فالنموذج المبني على نقطة قوة واحدة أو اثنتيْن سيصبح مهجوراً إذ يترتب على نجاحه محاكاة الآخرين له. على سبيل المثال، يستطيع المُتنافسون الإطاحة بسهولة بالمنتج المُبتكر لرائد الأعمال، لكنهم سيجدون صعوبة أكثر بكثير في محاكاة أنظمة تشتمل على الكثير من القدرات المميزة والتكميلية. والشركة صاحبة خط الإنتاج الجذاب والتصنيع واللوجستيات المُتكاملة تكاملاً مُحْكَمَاً، والعلاقات الوثيقة بالموزعين والقدرة على خلق تدفق مستمر للمنتجات المُبتكرة، ليس من السهل مُحاكاتها.
إن رواد الأعمال الذين يؤسسون أعمالاً جذابةً بنظام حق الامتياز يجب أن يسارعوا بإيجاد سبلٍ لتوسيع قدراتهم التنافسية. على سبيل المثال، كان للمنتج الأول لشركة إنتويت الناشئة في صناعة البرمجيات، ويُعرف باسم كويكين (Quicken)، خصائص أكثر جاذبية وأسهل في استخدامه من برمجيات الشؤون المالية الشخصية الأخرى. ولكنْ، أدركتْ شركة إنتويت أنَّ المنافسين يستطيعون أيضاً تيسير استخدام مُنتجاتهم، وعليه استغلت الشركة ريادتها المُبكرة من أجل الاستثمار في مجموعة متنوعة من نقاط القوة. وعززت الشركة من مكانتها لدى الموزعين حيث استحدثت عائلة من المُنتجات للشركات الصغيرة، بما في ذلك برنامج كويك بوكس (QuickBooks) المُتخصص في مجال المُحاسبة. وجلبت الشركة تقنيات تسويق مُتقدمة لصناعةٍ "اِعتَبَرَتْ اتصالات العُملاء بمثابة تعطيل لفن البرمجة المُقَدَّس"، بحسب قول مُؤَسِّس الشركة ورئيس مجلس إدارتها سكوت كوك (Scott Cook). استحدثت الشركة عملية تصميم مُنتج رفيعة المستوى، وشَكَّلَت فِرَق عمل مُتعددة الوظائف تضمنت التسوق والدعم الفنيّ. واستثمرت إنتويت بكثافة من أجل إمداد العملاء بدعم فنيّ مجاني ممتاز.
هل تعتبر أهداف النمو لشركتي مُتحفظة زيادة عن اللزوم أم مُجازفة أكثر من اللازم؟ بعد تعريف المشروع أو إعادة تعريفه والتحقق من سلامته الأساسية، ينبغي على رائد الأعمال تحديد ما إذا كانت خطط نموه مُناسبة أم لا. إن المشروعات المختلفة يمكن أن تنمو، بل وينبغي أن تنمو، بمعدلات مُختلفة. وتحديد الوتيرة السليمة لا يقل أهمية للشركة الناشئة عنه لراكب الدراجات المُبتدئ. بالنسبة لهما الأمر سواء: التحرك بسرعة مُبالغ فيها أو ببطء مُبالغ فيه يمكن أن يؤدي إلى السقوط. إن معدل النمو الأمثل للمشروع الناشئ هو دالة للعديد من العوامل المُستقلة.
تنفيذ الاستراتيجية: أيمكنني وضعها موضع التنفيذ؟
السؤال الثالث الذي يجب على رواد الأعمال طرحه على أنفسهم ربما كان الأصعب على الإطلاق، لأنه يتطلب الاستجواب الذاتي الأكثر صراحةً على الإطلاق: هل يمكنني تنفيذ الاستراتيجية؟ لا تضمن الأفكار العظيمة أداءً عظيماً. وكثير من الشركات الناشئة تفشل لأن رائد الأعمال لا يستطيع تنفيذ الاستراتيجية. فقد تنفد السيولة النقدية من الشركة الناشئة مثلاً أو ربما يعجز رائد الأعمال عن تحقيق مبيعات أو تلبية الطلبات. على رواد الأعمال فحص ثلاثة جوانب - الموارد والقدرات المؤسسية وأدوارهم الشخصية - لتقييم قدرتهم على تنفيذ استراتيجياتهم.
هل لديَّ الموارد والعلاقات المُلائمة؟ يُعَدُّ نقص العمالة الموهوبة غالباً العقبة الأولى التي تقف في سبيل التنفيذ الناجح للاستراتيجية. إن كثيراً من الشركات الناشئة تعجز عن استقطاب موظفين بارعين أثناء مرحلة النشأة، ولذلك يؤدي مؤسسو الشركة أغلب المهام المحورية بأنفسهم ويوظفون أياً مَن كان ليمد لهم يد المساعدة. وبعد الفترة المبدئية، يجوز لرواد الأعمال، بل وينبغي عليهم، أن يتحلوا بالطموح إذ يبحثون عن مواهب جديدة، ولا سيما إذا أرادوا أن تنمو أعمالهم بسرعة. ورواد الأعمال الذين يعقدون آمالهم على إمكانية تحويل الموظفين غير الأكفاء والمفتقرين للخبرة إلى موظفين بارعين يخلصون في نهاية المطاف إلى النتيجة نفسها التي توصل إليها كوك مؤسس شركة إنتويت، وهي "أنك لا يمكنك أن تدرب أحداً على البديهيات". علاوة على ذلك، بعد أن تصنع الشركة الناشئة لنفسها سجلاً حافلاً ولو قصيراً، يمكنها استقطاب موظفين أعلى مستوى بكثير.
وعلى رواد الأعمال إذ يقررون كيف يمكنهم تحديث قوتهم العاملة التعامل مع العديد من المشكلات المُعَقَّدَة والحسَّاسَة: هل ينبغي عليّ توظيف أفراد لسد وظائف مُعيَّنَة كما هو حال المؤسسات العطشى للمواهب أم يُسْتَحْسَن أن أستحدث مناصب جديدة للمرشحين الواعدين؟ هل سيُدير الموظفون الجدد الموظفين الحاليين أم سيحلون محلهم؟ إلى أي حد يجب أن تكون عمليات الإحلال والاستبدال موسعة؟ هل ينبغي أن تكون عملية الاستبدال تدريجية أم سريعة؟ وهل ينبغي أن أتخذ أنا، بما لي من صلة وثيقة بالشركة، قرارات إنهاء الخدمة بنفسي أم ينبغي أن أستعين بطرف خارجي ليتولى الأمر عني؟
تحتاج الشركة الناشئة إلى شيء أكبر من الموارد الداخلية. فرواد الأعمال يتعين عليهم أيضاً أن يدرسوا عملاءهم وموارد رأس مالهم. إن الشركات الناشئة المُغامرة غالباً ما تبدأ في التعامل مع العملاء الذين تستطيع استقطابهم أسرع من غيرهم والذين ربما ليسوا العملاء الذين تحتاج إليهم الشركة فعلياً. وبالمثل نجد أن رواد الأعمال الذين يستهلون أعمالهم بمساعدات للانطلاق من نقطة الصفر، وتحديداً بالاستدانة من الأصدقاء والعائلة أو بقروض من البنوك المحلية، يجب عليهم عادةً إيجاد مصادر أغنى لرؤوس الأموال لبناء مشروعات مُستدامة.
ولكي تصمد الشركة الناشئة، ربما يقتضى الأمر أن تمسي بعض الموارد الخارجية مبدئياً داخليةً. وكثير من الشركات الناشئة تعمل في بداية الأمر كمشروعات افتراضية لأن مؤسسيها لا يمكنهم تحمل تكلفة الإنتاج داخلياً وتعيين موظفين، ولأنهم يُقَدِّرون قيمة المرونة. لكنَّ المرونة النابعة من امتلاك القليل من الموارد هي سلاح ذو حديْن. فكما أن للشركة الصغيرة حرية حجز طلبيات أو عدم حجزها، يجوز للمُوَرِّدين أيضاً تلبية تلك الطلبيات الضئيلة أو عدم تلبيتها. إضافةً إلى ذلك، فإن عدم امتلاك الشركة للأصول يوحي للعملاء والمستثمرين المرتقبين بأن رائد الأعمال قد لا يكون مُخلصاً على المدى البعيد. والشركة التي ليس بها موظفون ولا تمتلك أية أصول ملموسة ربما يكون من الصعب أيضاً بيعها لأن المشترين المحتملين سيساورهم القلق على الأرجح من أن تتلاشى الشركة حال مغادرة مؤسسها. ولتأسيس شركة قوية، ربما يتعين على رائد الأعمال النظر في الاندماج رأسياً أو استبدال المُتعاقدين من الباطن بموظفين دائمين.
إيجاد معدل النمو السليم
إن إيجاد معدل النمو الأمثل لمشروع جديد مهمة شاقة وحسَّاسَة. ولتحديد الوتيرة السليمة، يتعين على رواد الأعمال النظر في عوامل كثيرة، منها ما يلي:
وفورات الحجم أو النطاق أو شبكة العملاء. كلما كانت العائدات على حجم الشركة أو نطاقها أو حجم شبكة عملائها أكبر، كانت حجتها للسعي وراء النمو السريع أقوى. فعندما يؤدي الحجم إلى زيادة الربحية بشكل كبير، سرعان ما يُسدد النمو فاتورته بنفسه. وفي الصناعات التي تُقيِّد فيها وفورات الحجم أو النطاق عدد المنافسين المُعتد بهم، يمكن أن يساعد تأسيس مكانة اقتصادية مواتية أولاً على ردع المنافسين.
القدرة على الاحتفاظ بالعملاء أو الموارد النادرة. إن النمو السريع أيضاً يتسق مع المنطق إذا كان العملاء ميالين إلى مُلازمة الشركات التي يزاولون أعمالهم معها من البداية، إما بسبب كراهة التغيير أو بسبب تكلفة تحويل قبلتهم إلى شركة أخرى. وبالمثل، نجد في ميدان تجارة التجزئة أنه من الممكن أن يسمح النمو بسرعة كبيرة للشركة باحتلال المكانات الأمثل بالنسبة لها أو الهيمنة على منطقة جغرافية يمكنها دعم متجر كبير وحيد فقط، حتى ولو كانت وفورات الحجم القومية محدودة.
نمو المنافسين. إذا كان المنافسون يتوسعون بسرعة، فربما تضطر الشركة إلى أن تحذو حذوهم. ففي الأسواق التي تُحدِّد فيها عموماً شركةٌ واحدة مقياس الصناعة المعمول به، كسوق برمجيات أنظمة تشغيل الحواسيب الشخصية مثلاً، قد يكون النمو بسرعة كافية تضمن سَبْق بقية المنافسين هو الأمل الوحيد للشركة الوليدة.
القيود على الموارد. لن تكون الشركة الناشئة الجديدة قادرة على النمو بسرعة إذا كانت تُعاني من نقصٍ في الموظفين المهرة أو إذا لم يكن المستثمرون أو الدائنون على استعداد لتمويل التوسع الذي يعتبرونه مُتهوراً. لكنَّ الشركة الناشئة التي تنمو بوتيرة سريعة ستكون قادرة على استقطاب رأس المال وكذلك الموظفين والعملاء الذين يريدون مُلازمة شركة ناجحة.
القدرة على التمويل الداخلي. عندما لا تكون الشركة الناشئة الجديدة قادرة على استقطاب مستثمرين أو الاقتراض بشروط معقولة، فستحدد قدرتها على التمويل الداخلي الوتيرةَ التي ستنمو بها. والشركات التي تحقق هوامش ربح عاليةً ونسب أصول إلى مبيعات مُتدنيةً تستطيع تمويل معدلات النمو العالية. والمشروع الذاتي التمويل، بحسب معادلة النمو المستدام المشهورة، يستحيل أن يزيد من إيراداته بمعدل أسرع من عائده على الأسهم.
العُملاء المُتسامحون. عندما تكون الشركة في طور النشأة وتشهد نمواً سريعاً، فعادةً ما تشوب منتجاتها وخدماتها بعض العيوب. وفي بعض الأسواق، كشرائح بعينها في صناعة التقنية المُتقدمة، اعتاد العُملاء العروض المعيبة وربما حتى بَلَغَ بهم الأمر أن يستمتعوا بالشكاية من تلك العيوب. والشركات التي تعمل في مثل هذه الأسواق يمكن أن تتوسع بسرعة. ولكنْ، في الأسواق التي لن يتهاون فيها العملاء مع الأعطال والعيوب، كسوق السلع الترفيهية وأنظمة التحكم في العمليات الحسَّاسَة لأداء المهمات، ينبغي أن يكون النمو أكثر حذراً بكثير.
المزاج والأهداف الشخصية. بعض رواد الأعمال يقتاتون على النمو السريع، والبعض الآخر لا يرتاحون للأزمات وعمليات الإنقاذ المرتبطة بها عادةً. وينبغي أن يكون مدى احتمال رائد الأعمال للتوتر والمشقة واحداً من القيود التي يتقيد بها نمو الشركة الناشئة الجديدة.
ما مدى قوة المؤسسة؟
تعتمد قدرة المؤسسة على تنفيذ استراتيجيتها على بنيتها الأساسية "المادية"، وأعني هيكلها وأنظمتها المؤسسية، وعلى بنيتها الأساسية "غير المادية"، وأعني ثقافتها ومعاييرها.
إن البنية الأساسية المادية التي تحتاج إليها الشركة الناشئة تُعَوِّل على أهدافها واستراتيجياتها. يود بعض رواد الأعمال تأسيس أعمال مُتَفَرِّقَة جغرافياً، وتحقيق التضافر بين الجهود بمشاركة الموارد عبر وحدات العمل وترسيخ مزايا السَبْق عبر النمو السريع، وأخيراً طرح الشركة للتداول في سوق الأوراق المالية. وعليهم الاستثمار في البنية التحتية المؤسسية بكثافة أكبر من أقرانهم الذين يودون إنشاء شركات بسيطة وحيدة الموقع بوتيرة حذرة.
ويُقَدِّم معدل نمو الشركة الناشئة مؤشراً مهماً من ناحية ما إذا كان رائد الأعمال قد استثمر على نحو مبالغ فيه أم قَصَّر في استثماره في هيكل الشركة وأنظمتها. وإذا كان الأداء بطيئاً - على سبيل المثال، إذا كان النمو يتخلف عن التوقعات المرصودة وكانت المُنتجات الجديدة مُتأخرة - فلعل القواعد والضوابط المُبالغ فيها تُعَرْقِّل الموظفين. وفي المقابل، إذا كانت الشركة تنمو نمواً سريعاً وتستحوذ على حصة من السوق، فإن آليات التسلسل الوظيفي وأدوات التحكم القاصرة تكون مصدر قلق على الأرجح. عندما تنمو شركة ناشئة جديدة بوتيرة سريعة، يجب على رواد الأعمال أن يُكلفوا الموظفين الجدد في الوقت نفسه بمسؤوليات كبيرة ويرصدوا شؤونهم المالية بدقة بالغة. ثمة شركات، مثل بلوكباستر فيديو (Blockbuster Video)، كانت تتكيف بواسطة مَنْح موظفي خدمة العملاء كل الاستقلالية التشغيلية التي يستطيعون تحملها، مع الحفاظ على ضوابط مالية مُشددة ومركزية.
ولثقافة المؤسسة المُتطورة أيضاً أثر عميق على مدى براعتها في تنفيذ استراتيجيتها. فالثقافة تُحدِّد شخصيات وطِباع القوة العاملة؛ فُعشاق العزلة والعمل الفردي من المستبعد أن يسعوا للعمل في مؤسسة توافقية، بينما قد يتجنب الانطوائيون الخجلون الملابس المبهرجة. إن الثقافة تسد الفجوات التي لا تتنبأ بها القواعد النظرية للمؤسسة. وتُحَدِّد الثقافة درجة تنافس وتآزر فرادى الموظفين والوحدات المؤسسية، وكيفية تعاملهم مع العُملاء. وأهم من أي عامل آخر، أن الثقافة تُحدِّد ما إذا كانت المؤسسة قادرة على التكيف مع الأزمات وتوقفات النمو أم لا.
الاستثمار في البنية الأساسية المؤسسية
قليل من رواد الأعمال يستهلون أعمالهم باستراتيجية مُحددة وخطة لتطوير المؤسسة التي تستطيع تحقيق تلك الاستراتيجية. وحقيقة الأمر أن كثيراً من الشركات الناشئة التي لا تمتلك أنظمة تحكم رسمية أو عمليات لصنع القرار، أو أدوار واضحة للموظفين، تكاد ألا تُسمى مؤسسات أصلاً. فمؤسسو تلك الشركات الناشئة، يرتجلون ويؤدون أغلب الوظائف المهمة بأنفسهم، ويصنعون القرارات بحسب ما يستجد من مُستجدات.
لا بأس بالطابع غير الرسميّ طالما أنَّ رواد الأعمال ليسوا مهتمين ببناء شركة ضخمة ومُستدامة. ولكنْ، ما إن تصبح هذه غايتهم، يتعين عليهم الشروع في وضع أنظمة وعمليات رسمية. هذه البنية الأساسية المؤسسية تسمح للشركة الناشئة بالنمو، لكنْها في الوقت نفسه تزيد من النفقات الإضافية وقد تُبطئ وتيرة صناعة القرار. إلى أي حد تكون البنية الأساسية كافية؟ وإلى أي حد تكون مُبالغاً فيها؟ لمضاهاة الاستثمارات في البنية الأساسية بمتطلبات استراتيجية الشركة الناشئة، يجب على رواد الأعمال بحث درجة تعويل استراتيجيتهم على ما يلي:
تكليف الآخرين بالمهام. بينما تنمو الشركة الناشئة، سيحتاج مؤسسوها على الأرجح لتفويض غيرهم في الاضطلاع بالعديد من المهام التي جرى العرف على اضطلاعهم بها بأنفسهم. ولإقناع الموظفين بأداء تلك المهام بكفاءة ودأب، ربما يكون المؤسسون بحاجة إلى وضع آليات لمراقبة الموظفين وإجراءات وسياسات تشغيلية قياسية. لنضرب مثلاً بالغ الدقة. يُمرر راندي وديبي فيلدز مهاراتهما ومعرفتهما عبر برنامج حوسبيّ يُملي على الموظفين في كل متجر من متاجر مسز فيلدز كوكيز كيف يصنعون الكعكات تحديداً ويديرون الأعمال. ويُحلل البرنامج الحوسبيّ بيانات مثل الظروف المناخية وأيام الأسبوع لإنتاج تعليمات كل ساعة بشأن أمور مثل نوعية الكعكات الواجب خبزها وتوقيت تقديم عينات مجانية وإعادة طلب رقائق الشوكولاتة.
لكن أن تُملي على الموظفين كيفية أداء مهام عملهم من الممكن أن يؤدي إلى وأد حس المبادرة لديهم. والشركات التي تُحتم على موظفي خدمة العملاء التصرف بسرعة وبراعة وذكاء قد يستقر رأيها على التركيز على النتائج بقدر أكبر من السلوك، فتستعين بأنظمة تحكم تضع أهدافاً لأداء الموظفين وتُقارن بين النتائج والأهداف وتُقَدِّم حوافز ملائمة.
تخصيص المهام. في شركة ناشئة محدودة النطاق، يضطلع كل موظف بجزء من جميع المهام، ولكن بينما يزداد نمو الشركة وتحاول تحقيق وفورات الحجم والنطاق، يجب تكليف الموظفين بأدوار مُحددة وتقسيمهم إلى وحدات مؤسسية مُلائمة. على سبيل المثال، يمكن أن يصبح موظف ورشة عمل متعدد المهام مسؤول تشغيل الآلات الميكانيكية الذي يُعتبر جزءاً من وحدة التصنيع. وتقتضي الحاجة دمج الأنشطة المُتخصصة، على سبيل المثال، بواسطة استحداث منصب المدير العام الذي يُنَسِّق مهام التصنيع والتسويق، أو بواسطة أنظمة مُصَمَّمَة لقياس أداء الموظفين ومُجازاتهم على تآزرهم عبر مختلف المهام. إن آليات الدمج العقيمة هي السر وراء فشل التوسع الجغرافي والاندماج الرأسيّ وتوسيع خطوط الإنتاج، وغير ذلك من الاستراتيجيات الساعية لتحقيق وفورات الحجم والنطاق عادةً.
جمع الأموال لأغراض النمو. إن الشركات التي تفتقر للسيولة النقدية وتحاول النمو بحاجة إلى أنظمة جيدة للتنبؤ بوفرة الأموال ومراقبتها. وعادةً ما ترفض المصادر الخارجية لرؤوس الأموال، كالبنوك، تقديم التمويل للشركات التي لديها ضوابط عقيمة أو بنية أساسية مؤسسية ضعيفة.
إنشاء سجل عمل حافل. إذا عقد رواد الأعمال آمالهم على بناء شركة يمكنهم بيعها في المستقبل، فعليهم البدء في الإعداد لذلك في مرحلة مبكرة. إن الأسواق المحلية والمستحوذين المرتقبين يطيب لهم أن يروا تاريخاً طويلاً لسجلات مالية وضوابط مَصُونة لطمأنتهم بخصوص سلامة الشركة.
الأسئلة الصعبة
وبينما يعكف رواد الأعمال على رسم الخطوط العريضة لرؤيتهم المُوَسَّعَة للمستقبل، يتعين عليهم أيضاً إدارة الشركة وكأنها على وشك الإفلاس، فيُحْكِمون قبضتهم على النفقات ويراقبون الأداء. وعليهم إلهام الموظفين وتدريبيهم بينما يتعاملون مع كراهة تسريح الموظفين العاجزين عن التطور مع الشركة. يَذْكُر بيل نوساي (Bill Nussey)، أحد مؤسسي شركة دافينشي سيستيمز (Da Vinci Systems Corporation)، أنَّ تسريح الموظفين الذين "جاهدوا وذرفوا الدمع وضحوا بالغالي والنفيس من أجل الشركة" كان أصعب شيء أقدمَ عليه على الإطلاق.
قليل من رواد الأعمال الناجحين هم الذين يؤدون دوراً حالماً محضاً في مؤسساتهم. فهم يواصلون انخراطهم فيما يُطلق عليه أبراهام زالزنيك (Abraham Zaleznik)، أستاذ كونوسكه ماتسوشيتا للريادة الفخرية في كلية إدارة الأعمال، جامعة هارفارد، اسم "العمل الحقيقي" لشركاتهم الناشئة. استمر مارفن باور (Marvin Bower) الشريك المؤسس لشركة ماكينزي آند كومبني (McKinsey & Company) في التفاوض بشأن دراسات للعملاء وتوجيهها بينما قاد الشركة في رحلتها إلى التوسع الكبير من حيث الحجم والامتداد الجغرافي. وقيل إن بيل غيتس، أحد مؤسسي شركة مايكروسوفت التي تبلغ قيمتها مليارات الدولارات ورئيسها التنفيذي، ما زال يراجع الشفرات التي يكتبها المبرمجون.
لكن أدوار المؤسسين يجب أن تتغير؛ فلم يعد غيتس يبرمج بنفسه. يؤكد مايكل روبرتس (Michael Roberts)، الخبير بريادة الأعمال، أن دور رائد الأعمال ينبغي أن يتطور من أداء العمل إلى تعليم الآخرين كيفية أدائه، ومنه إلى إملاء النتائج المرجوة، وأخيراً إدارة السياق الإجمالي الذي يُنجز في إطاره العمل. وثمة رائد أعمال يتحدث عن تغيير دوره من ظهير رُبعيّ (في كرة القدم الأمريكية) إلى مُدَرِّب. وبغض النظر عن التشبيه، فالفكرة هي أن القادة يسعون إلى تحقيق أثر لا يفتأ يزداد مما ينجزونه من عمل. وهم يحققون ذلك مثلاً بالتركيز على صياغة استراتيجيات تسويق بقدر أكبر من تركيزهم على البيع، وبالتفاوض بشأن الميزانيات ومراجعتها بدلاً من الإشراف على العمل مباشرةً، وتصميم حوافز الموظفين بدلاً من تحديد الأجر الإجمالي لكل موظف على حدة، والتفاوض بشأن عمليات الاستحواذ على الشركات بدلاً من تكلفة التجهيزات المكتبية، واستحداث غاية مشتركة ومعايير مؤسسية بدلاً من مجرد طرح المُنتَج في الأسواق.
ولذلك، فإن على رواد الأعمال حين يُقَيِّمون أدوارهم الشخصية أن يسألوا أنفسهم ما إذا كانوا يُجربون باستمرار مهام عمل ومسؤوليات جديدة. إن المؤسسين الذين يُمضون مجرد ساعات أطول في أداء المهمات نفسها واتخاذ القرارات عينها بينما تنمو شركتهم، سيؤول بهم المآل إلى عرقلة نمو الشركة. وينبغي عليهم أن يسألوا أنفسهم ما إذا كانوا قد اكتسبوا أية مهارات جديدة مؤخراً. فرائد الأعمال الذي يعمل أساساً مهندساً مثلاً قد يُتقن التحليل المالي. إذا لم يستطع المؤسسون الإشارة إلى مهارات جديدة، فالأرجح أنهم ماكثون في حالة من الجمود وأدوارهم لا تشهد أي تطور.
إن كثيراً من الشركات الكبرى تنشأ من بدايات مُتواضعة جداً. فقد حاول وليام هيوليت (William Hewlett) وديفيد باكارد (David Packard) ابتكار مؤشر خطأ موطِئ القدم بحارات البولينغ وموالف لآلة الهارمونيكا الموسيقية، قبل أن يُطورا أول منتج ناجح لهما، ألا وهو المُذبذِب الصوتي. وبدأ سام والتون (Sam Walton)، مُؤَسِّس سلسلة محلات وول مارت (Wal-Mart)، بشراء ما كان يصفه بالمتجر "اللعين" للسلع المُتنوعة يعمل بنظام حق الامتياز في مدينة نيوبورت، في ولاية أركنساس، لأن زوجته أرادت أن تعيش في مدينة صغيرة. كانت الاستجابة السريعة والتجربة والخطأ في مرحلة النشأة بالنسبة لتلك الشركات أهم من البصيرة والتخطيط. لكنَّ الارتجال المحض - أو الحظ البحت - نادراً ما يفضي إلى النجاح على المدى البعيد. فشركة هيوليت باكارد (Hewlett-Packard) ربما ظل نجمها خافتاً لو لم يتخذ مؤسساها في نهاية المطاف قرارات واعية بشأن خطوط الإنتاج والقدرات التقنية وسياسات الديون والمعايير المؤسسية.
غالباً ما يتفادى رواد الأعمال، بتحيزهم الشديد للتصرف دون تروِ، التفكير في مسائل مهمة، كالأهداف والاستراتيجيات والقدرات. وعليهم، إن عاجلاً أو آجلاً، أن يدمجوا هذا الاستقصاء عن وعي منهم في شركاتهم وحياتهم. فالنجاح المديد يتطلب من رواد الأعمال مواصلة طرح أسئلة صعبة بشأن وجهتهم المنشودة وما إذا كان المسار الذي يتبعونه سيفضي بهم إلى تلك الوجهة أم لا.