Get Inspired

مدن عالمية تقود الريادة في التحول الرقمي ومقرات العمل

بول بيسويك

Blog Single

تسعى معظم الشركات إلى أن تواكب أعمالها التطورات التي تحققها الشركات الرقمية الناشئة، لكنها غالباً ما تصطدم بالحاجة إلى تحديث أنظمة تكنولوجيا المعلومات القديمة التي تعتمدها. فكيف يمكن إعادة تصميم وبناء البنى التحتية الرئيسية لهذه الشركات مع ضمان استمرار أعمالها؟


غالباً ما يتم تشبيه هذا النوع من التحديات "بإصلاح طائرة أثناء تحليقها"، في حين التشبيه الأكثر ملائمة يتمثل في "إعادة تصميم البنى التحتية للمدن الكبرى"، حيث تتبع المدن الكبرى عادة ثلاث استراتيجيات للتخطيط العمراني، والتي يمكن لقادة الأعمال الاستعانة بها كمصدر للإلهام من أجل مواكبة متطلبات المنافسة الرقمية. تشمل هذه الاستراتيجيات: إنشاء معالم عصرية مذهلة لترسيخ الاستراتيجية الرقمية (كما فعلت دبي)، أو إزالة المعوقات والمصاعب لتحسين إمكانيات السرعة والمرونة (بوسطن)، أو إحداث تغيير جذري في المنهج المتبع بهدف بناء المدن الجديدة كلياً (شنغهاي).


دبي: إنشاء معالم عصرية


يشكل الاستثمار في إنشاء مواقع جديدة ومذهلة، مثل "برج مكاتب الإمارات في دبي" و"عجلة فيريس العملاقة في لندن" نقطة انطلاق قوية تسهم في توسيع آفاق خطط التجديد. إذ يُعد "برج مكاتب الإمارات" من أوائل ناطحات السحاب التي ساهمت في عملية تحول دبي إلى نقطة انطلاق مركزية في مسيرة تطور دولة الإمارات العربية المتحدة. كما تفخر دبي حالياً باحتوائها على أطول مبنى في العالم، إلى جانب الجزر الاصطناعية، وأول فندق على مستوى العالم يحتوي على غابة مطرية، وأكبر منتزه داخلي على وجه الأرض.


وعلى نحو مماثل، يمكن أن يساعد الاستثمار في المشاريع الرقمية الكبرى في تحسين تجارب العملاء وإطلاق عمليات تحول رقمي أوسع نطاقاً. فمن خلال تطوير تطبيقات عالية التأثير، أو الاكتفاء بإجراء تحسينات على قدرات تحليل البيانات بدون تطوير أنظمة تكنولوجيا المعلومات الأساسية، يمكن للشركات طرح عروض جديدة تسهم بتغيير صورتها السائدة، وتضغط على المنافسين في المجال الرقمي حتى لو كانت أنظمتها ما زالت بحاجة إلى أعوام طويلة من الترقية والتحديث. إلى جانب ذلك، يمكن للنهج العملي الذي يركز على الإنتاج أن يوفّر حافزاً لعملية التحول التي ينبغي اتباعها، إلى جانب الشروع في تنفيذ عملية تحول رقمي ذات نتائج فعلية يستحيل إغفالها.


على سبيل المثال، عندما تقوم إحدى شركات الطاقة بتصميم منصة جديدة تعتمد على الحوسبة السحابية لخدمة العملاء، يمكن لها خلال تسعة أشهر فقط أن تنافس الشركات المزودة لخدمات الإنترنت والتي بدأت ببيع الكهرباء إلى جانب توفير خدمات الإنترنت اللاسلكية والسيارات ميسورة التكلفة. وبذلك يصبح بمقدور شركة الطاقة توفير العديد من الخدمات الإضافية كخدمات الهاتف والإنترنت والعدادات الذكية والمنازل الذكية والخدمات الأمنية. بينما سينظر العملاء إلى الشركة كإحدى الشركات الذكية والمبتكرة التي تضاهي منافسيها في المجال الرقمي، حتى وإن كانت إشكاليات الأنظمة القديمة لا تزال قائمة.


بوسطن: إزالة المعوقات


من ناحية أُخرى، يمكن للشركات التركيز أولاً على إزالة العقبات الهيكلية التي تحول دون قدرتها على التطور بسرعة ومرونة على المدى الطويل. فعلى سبيل المثال، وظّفت مدينة بوسطن الأميركية استثمارات هائلة في مشروع النفق الكبير "بيج ديج"، الذي تمت توسعته بحيث يستوعب المزيد من السيارات ويلبي متطلبات النمو المستقبلية، وذلك من خلال هدم أحد الطرقات السريعة والقديمة واستبدالها بشبكة معقدة من الطرق السريعة في منطقة وسط المدينة. وعلى الرغم من تأخر المشروع وتكاليفه الباهظة، فقد أدرك مخططو المدينة حقيقة أنّ البنى التحتية القديمة لن تلائم احتياجات النقل في المنطقة.


وبالمثل، يمكن للشركات الاعتماد على مواردها وإمكاناتها الداخلية لزيادة مرونتها وإزالة العقبات التي تواجهها. مثلاً: سيستمر تجار التجزئة في مواجهة مصاعب جمّة أثناء اختيار المنتجات الملائمة للعرض إلى أن يحين الوقت الذي يمتلكون فيه بيانات دقيقة عن منتجاتهم. وبدورها، ستواجه الشركات التي تقوم بجمع بيانات العملاء الهامة على نحو غير متسق في حقول الملاحظات (نتيجة لعدم ترقية أنظمة جمع البيانات) الكثير من المشاكل المتعلقة بالعمليات النهائية بسبب الحاجة إلى إيجاد حلول للتعويض عن انخفاض جودة بيانات المدخلات الأولية.


وغالباً ما يصعب إثبات الجدوى التجارية لهذه التحسينات، لأن الفوائد المتمثلة بالسرعة والمرونة لا تكون مباشرة. كما تتطلب هذه الحالة مستويات استثنائية من الرؤية النافذة لمعرفة مدى تطور الشركة عند الانتهاء من هذه العملية وحجم التحمل والصبر الذي تطلبه. (ويشهد مهندسو مشروع "بيج ديج" على ذلك دون أدنى شك).


شنغهاي: الانطلاق من نقطة الصفر


يمكن للشركات الاقتداء بمدينة شنغهاي الصينية التي انقطعت عن الماضي من خلال بناء مدينة جديدة كلياً. فعندما قررت شنغهاي الاستثمار في طموحاتها الرامية لأن تصبح أحد المراكز المالية العالمية، تم بناء منطقة جديدة بالكامل فوق أرض غير مستصلحة نسبياً ضمن المدينة بجانب النهر وعلى مقربة من منطقة وسط شنغهاي التاريخية، وذلك بدلاً من محاولة إعادة تأهيل مركز التجارة التقليدي. ونتيجة لذلك، أصبح حي "بودونغ" اليوم مقراً لبورصة شنغهاي، ويُنظر إليه بشكل عام على أنه يجسّد مستقبل شنغهاي الحديثة.


وتتبنى الكثير من الشركات (بدءاً من شركات الاتصالات وصولاً إلى شركات الخدمات المالية) استراتيجية مماثلة تتمثل في إعادة بناء مهام تكنولوجيا المعلومات من نقطة الصفر في السحابة الإلكترونية. وبدلاً من إضاعة سنوات طويلة في العمل على التحديث التدريجي لأنظمة تكنولوجيا المعلومات القديمة، تستثمر الشركات في الأنظمة الحديثة التي تعتمد على الحوسبة السحابية، التي يستغرق إنشاؤها عادة 18 شهراً، ويبلغ متوسط تكلفة تشغيلها 20% من تكاليف تشغيل الأنظمة القديمة.


وبما أنّ الأنظمة القائمة على الحوسبة السحابية تتألف من وحدات قابلة للتطوير، فيمكن إدارتها بكل سهولة ويسر. وبناء على ذلك، يمكن للشركات تحقيق وفورات كبيرة وتحسين الخدمات المصغرة التي تقدمها، إذ ينطوي ذلك على إمكانيات كبيرة عندما يكون الهدف هو مواكبة المشهد التنافسي الذي يشهد تطوراً مستمراً. كما يتيح اتباع هذا النهج للمدراء إمكانية تجنب المخاطر التشغيلية المتعلقة بعملية التحول من الأنظمة القديمة نحو أُخرى جديدة ومتطورة. وبدلاً من ذلك، وعلى غرار الشركات الرقمية المحلية، يمكن للشركات بناء أنظمة فائقة التطور ودمجها مع أنظمتها القديمة فيما بعد، أو التخلي عن الأنظمة القديمة بكل بساطة كما هو الحال بالنسبة لرصيف الميناء في مدينة شنغهاي.


أخيراً، تشكل مواكبة الشركات الرقمية الناشئة التي تعيد صياغة قواعد عمل القطاعات المختلفة، بدءاً من قطاع التجزئة، مروراً بالخدمات المصرفية، وصولاً إلى قطاع الطاقة واحدة من أكبر التحديات الإدارية التي تواجه الشركات الكبرى حالياً. ويتمثل أحد أسباب استمرار المدراء في مواجهة المصاعب أثناء سعيهم لحل هذه المعضلة في أنهم غالباً ما يحاولون تحديث أنظمتهم على عدة مستويات في نفس الوقت. في حين يتعين على هؤلاء المدراء صياغة منهج واضح يهدف إلى تحسين إمكانياتهم الرقمية عبر الاستفادة من تجارب المدن الكبرى التي واجهت الكثير من التحديات على نطاق أوسع. إضافة إلى ذلك، يشكل التحول الرقمي عملية صعبة وباهظة التكلفة في معظم الأحيان، ولكن يمكن للتفكير مثل مخططي المدن أن يساعد كثيراً في هذا السياق.