Get Inspired

كيف تتجنب التفكير بالعمل خارج أوقات الدوام؟

آرت ماركمان

Blog Single

متى كانت آخر مرة ابتعدت فيها حقاً عن العمل؟ أي لم تفكر بالعمل، ولم تقلق بشأنه، ولم تكن هناك قائمة طويلة من المهام تدور داخل رأسك وتشغل تفكيرك؟


يعلم معظمنا أن هناك فوائد للابتعاد عن العمل. كما نعلم أننا بحاجة لاستعادة نشاطنا كل يوم لنبقى قادرين على الاستمرار بالتركيز ضمن مكاتبنا. ونعلم أن قضاء بعض الوقت بعيداً عن المشاكل المعقدة يسمح لنا برؤية الأمور من زوايا جديدة. ونعلم أيضاً أننا إذا استمرينا بالعمل أياماً طويلة متتالية سنجد أنفسنا نقوم بما يسمى "العمل المزيف"، أي أننا نجلس إلى مكاتبنا دون إنجاز أي شيء فعلياً.


وتكمن الصعوبة هنا في أنك لا تزال غير قادر على الابتعاد عن عملك على الرغم من معرفتك لكل فوائد الابتعاد. فحتى حين تعود إلى منزلك في وقت مبكّر مساء، تجد نفسك تقرأ تقريراً آخر، وعندما تسافر لعدة أيام تبقى متعلقاً ببريدك الإلكتروني، وعندما تستيقظ في الصباح الباكر أو تستلقي في سريرك ليلاً تجد نفسك تفكر بقائمة طويلة من مهمات العمل، حتى أني التقيت بأشخاص يحلمون بالمشاكل التي تواجههم في العمل أثناء نومهم.


إذا لم تتمكن من نسيان العمل عندما تكون خارج مكتبك لن تتمكن من الاستمتاع بفوائد وقت الاستراحة. ولكي تتمكن من فصل نفسك تماماً عن العمل وما يتعلق به من أفكار غير مرغوبة، يمكنك أن تستعين بمجموعة من العادات الجديدة مع بعض الدروس المأخوذة من العلاج المعرفي السلوكي.


ركز على ما ستفعله عوضاً عن العمل


لا يتمكن الكثيرون من تغيير عاداتهم بسبب تركيزهم على العمل الذي لن يقوموا به خلال وقت استراحتهم لا على الأشياء التي سيقومون بها أثناء الاستراحة. فتحديد هدف عدم العمل أو عدم التفكير بالعمل أثناء وقت استراحتك بعيداً عن مكتبك يبدأ بافتراض أنك ستكبح نفسك في كل مرة تشعر بالرغبة في فعل أي شيء يتعلق بالعمل.


وتُعتبر هذه الأهداف السلبية التي تركز فيها على الأفعال التي ستمتنع عنها، فاشلة لسببين. أولهما، هو أنّ نظام العادات لديك يكتسب عادات جديدة فقط عندما تقوم بفعل ما، وليس عندما تمتنع عن القيام بما اعتدت عليه. لذلك لا يمكنك توليد عادة عدم الفعل. والثاني، أنك عندما تحدد أهدافاً سلبية سيتوجب عليك أن تكون يقظاً ومنتبهاً باستمرار لما تفعله وإلا ستعاود القيام بالأمر الذي تحاول الامتناع عنه.


لذلك عليك التركيز على ما ستقوم به عوضاً عن العمل، والتخطيط لوقتك الذي ستقضيه بعيداً عنه، سواء كانت أمسية خارج المكتب أو إجازة. فأنت بحاجة إلى خطة محددة، وإلا ستعود لعاداتك وتعود للعمل في الوقت الذي يجب أن تكون بعيداً عنه تماماً، ولذلك، يجب أن تركّز الخطة على النشاطات التي ستقوم بها عوضاً عن العمل.


مثلاً، يمكنك تحديد موعد مع المدرب الخاص عند الخامسة والنصف مساء في النادي الرياضي القريب من مكتبك مرتين أسبوعياً، أو يمكنك إخبار زوجتك أنك ستقل أطفالك من الروضة، أو تتطوع في أعمال خيرية محلية خلال أيام عطلة نهاية الأسبوع. ولربما قمت ببعض أعمال التطوير الشخصي، كأن تشترك في دورة لتعلم لغة جديدة، أو العزف على آلة موسيقية، أو تعلم الرسم، فبهذه النشاطات لن تترك متسعاً من الوقت للعمل، وستستبدله بأمور أُخرى.


ومع ذلك، ستتطفل بعض الأفكار المتعلقة بالعمل وتقطع عليك وقت استراحتك. عندها، عليك أن تكون مستعداً لها كي لا تبقى منشغلاً بالتفكير المستمر بالعمل.


هناك طريقتين للتعامل مع الأفكار المتطفلة. إحداهما: أن تكون لديك خطة جاهزة لتتمكن من شغل تفكيرك عن هذه الأفكار، كأن تقرأ رواية أو تقوم بحل الكلمات المتقاطعة أو تتصل بصديق. ومع ذلك، في بعض الأحيان لا بدّ أن يكون هناك أمر يزعجك بشأن العمل، وفي هذا الحال احتفظ بدفتر ملاحظات قريباً منك، وحدد مدة عشر دقائق على المؤقت لتسجل ما يزعجك عليه. غالباً ما يساعد ذلك على إخراج الأمور التي تُقلق راحتك من ذهنك وتحديداً، عندما تكون هذه الأفكار التي تراودك تعكس أموراً تسبب لك القلق والتوتر لا الأمور التي سيكون عليك القيام بها عند عودتك إلى العمل.


غيّر البيئة المحيطة بك لتدعم عاداتك الجديدة وتمنع القديمة


لا يستطيع المدخن الإقلاع عن التدخين وهو يحتفظ بصندوق كبير من السجائر في المنزل. وكذلك من يحاول إعداد حدود صحية بين عمله وحياته، لن يستطيع فعل ذلك وهو يُبقي هاتفه وجهاز الكمبيوتر يعملان طوال الوقت.


نعم، أنا أقترح عليك القيام بإطفاء أجهزتك فعلياً. إطفاءها تماماً، فعندما تكون بعيداً عن المكتب، أفضل طريقة للتعامل مع الرغبة الشديدة للقيام بأمر يتعلق بالعمل هي أن تجعله صعباً، فإذا كان هاتفك مطفأً ويتوجب عليك تشغيله من أجل تفقد بريدك الإلكتروني ربما تتمكن من التفكير مرتين قبل أن تفعل ذلك.


وإذا كنت دائم التفكير بالعمل يمكنك الاستفادة من البيئة حولك لمحاولة إخراجه من ذهنك، حيث يمكنك إعداد مساحة معينة من منزلك لا تعمل فيها أبداً. ربما تكون غرفة، أو مجرد زاوية في مكان ما. ضع كرسياً أو وسادة أو ربما سجادة، واستخدم هذا المكان للقيام بنشاطات لا تتعلق بالعمل، كالقراءة أو تمارين اليوغا. وكلما قضيت وقتاً أكثر في هذا المكان وأنت تفعل أموراً لا تتعلق بالعمل يصبح استخدامها للابتعاد عن أفكار العمل أسهل.


إلى جانب ذلك، شارك أشخاصاً آخرين في إعداد بيئة جديدة وصحيّة أكثر. اطلب مساعدة أصدقائك وأفراد عائلتك لإبقائك بعيداً عن العمل. اعطهم الإذن لتذكيرك بوضع هاتفك جانباً دون أن تشعر بالانزعاج منهم. جد نشاطات يمكنك ممارستها لتمنعك عن العمل وتبعد تفكيرك عن كل ما يتعلق به.


ابتعد عن العمل وشاهد عدم وقوع الكارثة


حتى وإن قمت بوضع تلك الخطط وإعداد بيئة لتنفيذها، يجب أن تعزم على الانفصال عن العمل لفترة من الزمن. ربما تشعر بالتوتر بسبب ذلك، ربما فاتتك رسالة هامة على البريد الإلكتروني، أو ربما وقعت مشكلة ما، أو ربما تمّ إنجاز عمل هام بصورة سيئة أو لم ينجز أبداً.


في هذه الحال يمكن أن يكون العلاج المعرفي السلوكي مفيداً، إذ تشير الدراسات إلى طريقة رائعة لتخفيض التوتر الذي تشعر به، وهي أن تضع نفسك في موقف مرعب وترى تدريجياً أنه ليس خطيراً حقاً.


إذا كانت مشكلتك هي القلق الدائم من عدم الرد على رسالة هامة، اقض ليلة دون تفقد بريدك الإلكتروني، واكتشف في الصباح التالي أنّ كلّ العمل الذي يجب عليك القيام به لا يزال موجوداً. ثم مدد وقت عدم تفقد بريدك الإلكتروني، وحاول ألّا تتفقده طوال يوم واحد من عطلة نهاية الأسبوع، ومن ثمّ طوال عطلة نهاية الأسبوع بأكملها. ربما تجد أنّ هناك الكثير من الأشخاص سيتمكنون من إيجاد إجابات عن أسئلتهم إذا لم تقم بالرد عليهم فوراً. والأهم هو أنك ستعود إلى عملك بطاقة أكبر وأفكار أفضل لأنك أخذت استراحة لبعض الوقت.